11. 10. 2022 بواسطة: عبده النفوري

تأثير الذكاء الصناعي على المحاماة والقضاء

تأثير الذكاء الصناعي على المحاماة والقضاء

القانون ما هو إلا سلسة من الخوارزميات التي تدور حول أفعل ولا تفعل، أليس هذا شبيه لدرجة كبيرة ببرامج الكمبيوتر؟ على النقيض النظام القضائي في معظ الدول ليس بهذا الوضوح وذلك لإعتبارات كثيرة أهمها التعقيد النابع من كثرة القضايا الملقاة على عاتق العاملين بالنظام القضائي واعتبارات كثيرة أخرى، ومن هنا هل يتبادر بالذهن هل يفيدنا الذكاء الاصطناعي في تطوير النظام القضائي؟

كثيراً من مكاتب المحاماة حالياً يستخدمون الذكاء الاصطناعي في أعمال متعلقة بإجراء الأبحاث وحساب الفواتير، لكن لا يولون اهتماماً بالتحول الكبير الذي يحدث لمجال المحاماة، فمن المتوقع أن تختفي العديد من الوظائف القانونية بحلول العقد القادم، ومن أهم الوظائف المهددة بالاختفاء المساعد القانوني والباحث القانوني.

لكن هل يشارك القضاة المحامين في نفس المصير؟ للإجابة على هذا السؤال قام كاتب المقال وشريكه Michael Ashley بعمل لقاء مع أحد خبراء الذكاء الاصطناعي للاستفسار عن دور وتأثير الذكاء الاصطناعي على النظم القضائية ويمكن تلخيص الإجابة في تعبير المحامي الشهيرTom Girardi "

"قد يُعتبر عدم استخدام الذكاء الاصطناعي يومًا ما سوء تصرف قانوني". "سيكون مشابهًا لمحامي في أواخر القرن العشرين لا يزال يفعل كل شيء يدويًا على الرغم من أمكانية استخدام الكمبيوتر."

هناك العديد من الأسباب التي تؤيد أن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور فعال في النظام القضائي من أهمها، أن النظام القضائي الحالي يسيطر عليه بشكل غير واضح المساعدين والباحثين القانونيين، لأنهم من يقومون بالبحث والاستكشاف واحياناً تفسير المعلومات، وهذا من شأنه زيادة سعر أتعاب المحاماة، كما يساعد الذكاء الصناعي في سرعة البحث هذا ما يساعد في تخفيف الاعباء على النظام القضائي، ومن ناحية أخرى يمكن توكيل بعض المهام الاضافية للذكاء الاصطناعي مثل مقابلة العملاء وجمع المعلومات بشكل صحيح منهم، فيرى علماء النفس أن الأنسان قد يكون صادقا وأكثر حرية عندما يتحدث إلى آلة لأن الآلات لن تحكم عليهم، لكن بالطبع لن يحل الذكاء الصناعي محل كل وسائل جمع المعلومات فأحيانا يكون المناقشات أكثر فاعلية، ومع ذلك يساعد الذكاء الصناعي في ذلك خلال عمليات الاستجواب والمناقشات في تقصي ردود أفعال الشهود والمجرمين في كل مرة يتحدثون فيها ومقارنة ذلك دائما للوصول إلى أفضل نتيجة.

يرى المحامي توم جيرارجي ان شركات المحاماة التي تقتصد في الانفاق على الذكاء الصناعي خوفاً من زيادة النفقات عليها تضيع فرصة عظيمة للتفوق على منافسيها، فكلما بدأوا أسرع، كان لهم ميزة استراتيجية تمنحهم التفوق لحل أى نزاع بشكل أسرع.

وتطرق أيضاً إلى فكرة تقليل عدد ساعات العمل سوف يؤثر علي دخل المحامي، فالمحامي كان يعمل على القضية لعدد معين من الساعات يضرب في معدل الساعة لدية، الان الذكاء الصناعي يقلل عدد الساعات لأكثر من النصف. هذا التخوف موجود عند كثير من المحامين، لكن إذا نظرنا لها من حيث الجودة فقليل عدد الساعات سوف يؤثر بشكل جيد على فاعلية العمل مما يزيد فرص تكرار تعامل العميل مع مكتبك.

وقال Girardi"إذا كان بإمكان المحامي استخدام الذكاء الاصطناعي للفوز بقضية والقيام بذلك مقابل أقل من شخص لا يمتلك الذكاء الاصطناعي، فمن برأيك سيختار العميل العمل معه في المرة القادمة؟

وبناء على ذلك فإن المستقبل للشركات التي تستخدم الذكاء الصناعي حتى وإن كان الدخل المتحصل عليه من قضية واحدة قليل، لكن عدد القضايا سوف يزيد بشكل يعوض ذلك.

رغم هذا التطور الكبير في مجال الذكاء الصناعي فإنه بشكل ما تعتبر المحاماة والقضاء من المهن التي لها أمان وظيفي اعلى لطبيعتها المعقدة، فالذكاء الصناعي سوف يكون مركز على القضايا البسيطة في البداية مثل الافراج بكفالة عن طريق مراقبة الانماط السلوكية للمتهم وتقرير مدى احتمالية هروبه.

من المرجح أن تتحول قاعات المحاكم إلى شكل جديد غير الذي نعرفه جميعا بسبب التقدم التكنولوجي. يعتقد Tom Girardi أن المحاكم ترحب بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للمساعدة في اختيار هيئة المحلفين. يقول Tom Girardi : "إذا كان هناك نزاع مدني متعلق بطبيب قطع ساق الخطأ؟ - اليوم ، تتم تسويته إلى حد كبير خارج المحكمة".

"ومع ذلك ، إذا كانت القضية تتعلق بتفسير القانون فهناك الكثير من الاعتبارات مثل هل انتظر طويلاً قبل تنفيذ الإجراء؟ هل أصدر الطبيب قرارًا سيئًا؟ - يمكن أن تحال القضية إلى المحاكمة ، وهذا هو سبب أهمية التركيب الفلسفي لهيئة المحلفين. " هنا يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي ذا فاعلية كبيرة في الإعداد لهيئة المحلفين، لأنه يمكن أن يتنبأ بمثل هذه التركيبات الفلسفية ببراعة. خصوصا في جمع المعلومات المهمة بسرعة حول المحلفين المحتملين، بما في ذلك تاريخ الحوادث الخاصة بهم، إذا كانوا قد خدموا من قبل في مثل هذه القضايا، والأحكام الصادرة عن تلك المحاكمات، والانتماءات السياسية والخيرية للمحلف. يمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل ردود أفعال الوجه ولغة الجسد للإشارة إلى شعور المحلف المحتمل تجاه قضية ما. قبل أن يجيب المحلف المحتمل على سؤال ما، فإن حركة عينيه أو تغيير لون الجلد أو تغيير وضع الجسم يمكن أن تنقل استجابة عاطفية غير لفظية تظهر تحيزًا إيجابيًا أو سلبيًا. يمكن استخدام هذه البيانات للاختيار الأمثل لهيئة المحلفين، مما يحققاً أكبر من العدالة.

على الرغم من هذه التطورات داخل قاعة المحكمة، إلا أنه من الصعب تخيل كيف يمكن استبدال المحامين بالذكاء الاصطناعي. في الوقت الحالي، فقدرة الإنسان الفريدة على خلق التعاطف مع المحلفين والقضاة على حد سواء لا غنى عنهم في المداولات القانونية. ولكن ماذا لو تم استبدال القضاة يومًا ما بالروبوتات؟ بعد كل شيء ، نحن نعلم أن البشر مخلوقات غير معصومة.

يقول Song Richardson ، عميد كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا في إيرفين ، بشأن هذا الاحتمال. "لماذا يصبح الشخص محامياً أو قاضياً؟ من المؤكد انها ليست الرغبة في أن تكون ترساً في ماكينة العدالة، ويعبر عن التقصير في منح الاهتمام اللازم للأفراد بسبب كثرة القضايا، كل هذا يشير إلى شئ خاطئ في النظام القضائي ونظام العدالة لدينا فكيف نكون مقصرين في الاهتمام ونتجه لحوسبة القضاء والنظام العدلي وقال " إن الاتجاه لاستخدام الذكاء الصناعي في النظام العدلي ليس عدلاً، بل العكس"

يعتقد Richardson أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يفيد مهنة القانون، لكنه يحذر من كيفية تنفيذه. حتى أفضل وسائل الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى أن يتم تعليمها، مما يعني أنه يمكن أن يكون موضوعياً مثل الأشخاص الذين يقومون بتدريسه.

يقول ريتشاردسون، المتخصص في مخاطر التحيز اللاواعي: "غالبًا ما ينظر الناس إلى الذكاء الاصطناعي والخوارزميات على أنها موضوعية دون النظر في أصول البيانات المستخدمة في عملية التعلم الآلي". "البيانات المتحيزة ستؤدي إلى ذكاء اصطناعي متحيز. عند تدريب الأشخاص على مهنة القانون، نحتاج إلى مساعدة المحامين والقضاة المستقبليين على فهم كيفية عمل الذكاء الاصطناعي وآثاره في مجالنا ".

على الرغم من هذه المخاوف، لا يزال ريتشاردسون يعتقد أن تأثير التكنولوجيا الجديدة سيكون إيجابياً. لانها سوف توفر إلى المحامون والقضاة المعلومات بشكل سريع وفعال ومع ذلك، بغض النظر عن مدى تطور التكنولوجيا، يتفق هو وجيراردي على أنها لن تكون أبداً بديلاً عن الحكم واتخاذ القرار الذي لا يمكن إلا للبشر إتخاذها. لن يحل الذكاء الاصطناعي محل الحاجة إلى التفكير النقدي. ما زلنا بحاجة إلى إعداد الطلاب للتفكير مثل المحامين، ولا أعتقد أن هذا سيتغير أبداً "، كما يقول ريتشاردسون.

على الرغم من عدم وجود إجماع حتى الآن حول كيفية قيام الذكاء الاصطناعي بتشكيل المهن القانونية، فإننا نعلم أن الذكاء الاصطناعي مهيأ لتغيير كل جانب من جوانب حياتنا تقريباً، وسوف تخلق التقنيات الجديدة التي يستخدمها مجموعة من القضايا القانونية غير المسبوقة، بما في ذلك الملكية والمسؤولية والخصوصية.

لتخيل ما هو قادم، فقط ضع في اعتبارك هذا: عندما تبدأ السيارات ذاتية القيادة في الوقوع في الحوادث، من الذي يعتبر مسؤولاً؟ صاحب السيارة؟ المصنع؟ مصمم البرمجيات؟ إن حقيقة أن هذه قضايا معقدة ستتفاقم قريبًا بسبب التكنولوجيا غير المسبوقة، هذا يعطى للمحامين الثابتين انذار ويوحى بالحاجة إلى المزيد من المحامين، ولكن ليس فقط أي نوع من المحامين. نحن بحاجة إلى أولئك القادرين على فهم مجتمع سريع التطور.

يقول ريتشاردسون: "ما يقلقني هو أنه لن يكون لدينا محامون يفهمون الخوارزميات والذكاء الاصطناعي جيداً بما يكفي لمعرفة الأسئلة التي يجب طرحها، ولا قضاة يشعرون بالراحة الكافية مع هذه التقنيات الجديدة للحكم في القضايا التي تشملهم". في ضوء هذه المخاوف الصحيحة ، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن كليات الحقوق لدينا يجب أن تعد محامي الغد لاستخدام التكنولوجيا الجديدة. لكن حتى هذا لا يكفي. نحتاج أيضاً إلى مستشار وقضاة ممارسين اليوم لفهم الذكاء الاصطناعي وكل ما يعد به لخدمة وحماية الإنسان بشكل أفضل.

المصدر :
للاكاديمية الدولية للوساطة والتحكيم
الرابط :
https://iamaeg.net/ar/publicat...